Select language / زبان خود را انتخاب کنيد

4. استملاك

Appropriation4. استملاك

كثيراً ما ترافق التدمير والهدم واسع النطاق لممتلكات المدنيين في هذه المناطق مع ثلاث جرائم أخرى ذات صلة: النهب، تدمير ممتلكات العدو، أو الاستيلاء عليها دون أن تبرّر ذلك الضرورات العسكرية للحرب.

النهب

ثمة عدد لا يحصى من التقارير، الشهادات، الصور والفيديوهات التي توثّق “جريمة روتينية” محددة ارتكبها ويرتكبها عناصر ميليشيا النظام المسماة بقوات الدفاع الوطني، والتي تُعرف بين السوريين بالشبّيحة: النهب.

فخلافاً لجنود الجيش النظامي، يُسمح لعناصر قوات الدفاع الوطني – لا بل يُشجّعون على ذلك – بنهب البيوت والمحلات التجارية بعد انتهاء المعارك، وأخذ ما ينهبونه كغنائم حرب يبيعونها في الأسواق السوداء في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أو في لبنان (باتت هذه الأسواق تُعرف بـ “أسواق السُنّة”، لأن غالبية البيوت المنهوبة تعود لمسلمين سنّة، بينما ينتمي غالبية الشبّيحة للطائفة العلوية – على الأقل في الوعي الشعبي). وقد استُخدمت فرص النهب هذه من قبل النظام كحافز لتجنيد عناصر جديدة في قوات الدفاع المدني، كما اعترف بذلك عدد منهم.1

تُعتبر هذه الممارسات، كما يشرح الفصل الثاني، نهباً يرقى إلى جريمة حرب خلال النزاعات المسلحة. ويبدو أنها واسعة الانتشار ومنهجية بما يكفي ليستنتج المرء أن وراءها سياسة رسمية. لكن الأمر أكبر من مجرد نهب.

بعد انتهاء أغلب الحملات العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري والميليشيات التي تقاتل إلى جانبه، مثل حزب الله اللبناني، يقوم عناصر قوات الدفاع الوطني أو الشبّيحة باقتحام القرية أو البلدة المسيطر عليها وينهبون منازل السكان، ثم يضرمون فيها النار. ويبدو أن الهدف من ذلك هو أن لا يتركوا لأصحاب هذه المنازل أي شيء يرجعون إليه في المستقبل. ولما كانت غالبية الشبّيحة علويين، كما يبدو، وغالبية القرى والبلدات والأحياء المستهدفة سُنّية، يجادل كثيرون أن هذه الممارسات ترقى إلى تطهير طائفي للمناطق المستهدفة.2

سبق أن ناقش مؤلفو هذا التقرير تاريخ وممارسات الشبيحة في تقرير سابق لـ (نامه شام).3 نكتفي هنا بتكرار بضع حقائق باتت مثبتة.

أنشئت قوات الدفاع الوطني من قبل النظام السوري لهدف واحد ووحيد، وهو “القيام بالأعمال القذرة” بالنيابة عن الجيش في قمع التظاهرات المعادية للنظام في بداية الثورة.4 وعليه، يمكن القول إن هذه الميليشيا تتصرف “بقصد إجرامي مشترك” ، كما تعرّفه المادة 25(3)(د) من اتفاقية روما، وأن أعلى مستويات النظام السوري، بالإضافة لقادة عسكريين إيرانيين ومن حزب الله، على دراية كاملة بهذا القصد والممارسات الإجرامية المتصلة به، لكنهم لم يفعلوا شيئاً لإيقافها أو معاقبة المسؤولين عنها.

وكان النظام الإيراني، ولا سيما سباه باسداران، قد لعب دوراً أساسياً في إنشاء وتسليح وتدريب قوات الدفاع الوطني، التي شُكلت على غرار قوات الباسيج الإيرانية.5 ويرقى هذا الدور، الذي لعبه النظام الإيراني بكامل العلم والنيّة، إلى “دعم وتعزيز النشاط الإجرامي أو الغرض الإجرامي للجماعة،” وفقاً للمادة 25 من اتفاقية روما.

تأجير العقارات “الخالية”

نشرت وزارة العدل السورية في أيار/مايو 2014 مقترحاً بـ “مراجعة شاملة” لقانون الإيجار رقم 1 لعام 2006، بحيث يُسمح للسلطات “بفتح المنازل التي هجرها أصحابها وتأجيرها لمواطنين سوريين آخرين تحت إشراف لجنة حكومية خاصة.”6

وقد تمّ تصوير المقترح في وسائل الإعلام الموالية للنظام على أنه نابع “من باب الحرص على فتح المنازل الآمنة والمغلقة للتخفيف من معاناة كثير من السوريين الذين تشردوا وهلكت منازلهم،” على حدّ قول القاضي كمال جنيات، رئيس اللجنة التي شكلتها وزارة العدل لدراسة وتطبيق المقترح.

لكن الحقيقة، يجادل الكثيرون، هي أن المنازل المستهدفة تعود لمعارضين وناشطين تم اعتقالهم أو قتلهم أو أجبروا على الهرب من بطش النظام. لذا يبدو أن الهدف الحقيقي للمخطط هو الاستيلاء على هذه الممتلكات بحيث لا يجد أصحابها، الذين ينتمي أغلبهم إلى الطائفة السنية على ما يبدو، ما يرجعون إليه في المستقبل. وقد وصفت بعض وسائل إعلام المعارضة السورية المقترح بأنه “لعب بديموغرافيا البلد.”7

من الجدير بالذكر أنه، حتى ولو كانت الممتلكات المعنية ملكاً “للعدو” وليس لمدنيين، يجب أن تكون مصادرة هذه الممتلكات أو الاستيلاء عليها “تحتّمه ضرورات الحرب،” وفقاً للمادة 8 من اتفاقية روما. ولا يبدو أن هذه هي الحال هنا. وبالتالي فإن المقترح، إن نُفذ، قد يرقى إلى جريمة حرب.

شراء عقارات

لقد قيل وكتب الكثير في وسائل الإعلام عن قيام النظامين السوري والإيراني – إما مباشرة أو من خلال عملاء – بشراء مساحات واسعة من العقارات في دمشق وحمص، وبدرجة أقل في حلب. وعادة ما تكون الرسالة الضمنية أو الصريحة لتقارير كهذه هي أن النظامين يحاولان إنشاء مناطق أو ممرات موالية تمتد من دمشق إلى الساحل، مروراً بحمص، على طول الحدود مع لبنان. لكن كثيراً من هذه التقارير، مع الأسف، غير موثوق أو غير موثّق.

على سبيل المثال، نشرت وسائل إعلام المعارضة السورية مراراً وتكراراً، منذ أواسط عام 2012، تقارير عن قيام شيعة إيرانيين ولبنانيين وعراقيين بشراء منازل وأراضٍ في حمص بأسعار باهظة، بما في ذلك منازل مدمّرة أو محروقة بفعل القصف، مستغلين حاجة أصحابها للمال أو رغبتهم في المغادرة بسبب استمرار الحصار أو المعارك لفترة طويلة.8 والهدف من عمليات الشراء هذه، كما تجادل هذه التقارير عادة، هو “إفراغ حمص” من سكانها السُنّة أو المعارضين للنظام في عملية “تطهير عرقي منهجية.” وعادة ما تُذكر قصة شراء الصهاينة لأراضي الفلسطينيين قبل إنشاء دولة إسرائيل عام 1948 من باب دقّ ناقوس الخطر.

ليس شراء العقارات، سواء كان من قبل سوريين أم أجانب، غير مشروع بحدّ ذاته. لكن السياق الذي تحصل فيها هذه العمليات في حمص وغيرها، والأساليب المتّعبة فيها، تبدو مشبوهة. على سبيل المثال، زعمت تقارير إعلامية كثيرة أن الناس يُجبرون أحياناً على بيع ممتلكاتهم تحت التهديد، أو أن ملكيتها تُنقل أحياناً إلى المالكين الجدد دون موافقة أو حضور المالكين الأصليين، وإلى ما ذلك.9

في 1 تموز/يوليو 2013، التهمت النيران مبنى السجّل العقاري في حمص ودمّرته تماماً، في حادثة يبدو أن الهدف منها كان التغطية على ممارسات غير مشروعة كهذه.10 وأصدر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية آنذاك بياناً أدان فيه الحرق “المتعمّد” للسجل العقاري، معتبراً أن الحادثة “تأتي في سياق محاولات النظام الرامية إلى تغيير الطبيعة السكانية للمدينة.”11

في دمشق، تزعم تقارير إعلامية مشابهة أن السفارة الإيرانية ورجال أعمال إيرانيين يشترون عقارات في وسط المدينة وفي الأحياء القديمة، مستغلين حاجات السكان الاقتصادية والأمنية.12 وتضيف التقارير أن السفارة قد اشترت عدة فنادق وأبنية في منطقة البحصة، قرب المركز الثقافي الإيراني، بالإضافة لعدد من المنازل والمطاعم في دمشق القديمة، من جامع أمية وصولاً إلى باب توما. كما تزعم تقارير أخرى أن السفارة تشتري مساحات واسعة من العقارات على امتداد أوتوستراد المزة، حيث تقع السفارة.

في حزيران/يونيو 2014، نشر موقع “ناو” اللبناني تقريراً نقل فيه عن مصدر في إدارة السجلات العقارية التابعة لوزارة الإسكان السورية أن ملكية 6,746 عقاراً قد تم نقلها إلى مواطنين شيعة سوريين وعراقيين وإيرانيين.13 ويضيف التقرير أنه، في النصف الأول من عام 2014 فقط، نُقلت ملكيّة 3,267 عقار، بمعدل 500 عملية نقل ملكية في الشهر الواحد. وتتنوع العقارات المنقولة ما بين منزل ومحلّ تجاري وفندق ومشفى، يتركز معظمها في مناطق المزّة والمالكي وشارع بغداد في وسط دمشق، وفي الشاغور والميدان والعمارة في دمشق القديمة.

تعود ملكية أغلب هذه العقارات، حسب المصدر، إلى سوريين فرّوا من البلاد لأسباب أمنية أو معيشية. أما عمليات نقل الملكية فتجري “بإشراف السفارة الإيرانية في دمشق عبر تزوير السجلات العقارية المسجّلة باسم المالكين الأصليين ونقلها أصولاً بعملية (فروغ) تمنح المالك الجديد حقّ الملكية بعقد نظامي ممهور بختم السجل العقاري للمنطقة وتوقيع وزير الإسكان.” أما الأشخاص الذين يُعرف عنهم معارضتهم للنظام، “فيتم تجريدهم من الجنسية السورية ومنعهم من الدخول إلى سوريا مجدداً، ويتم احتلال أملاكهم و بيعها (ورقياً) للملّاك الجدد باعتبارها أملاكاً عامة يحقّ للدولة الانتفاع بها.”14

في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، نقلت قناة “العربية” عن رجل أعمال سوري أن إيرانيين كانوا قد عرضوا عليه شراء ممتلكاته في دمشق “بالسعر الذي يضعه،” مضيفاً أن هناك “حركة شراء واسعة يقوم بها الإيرانيون في دمشق بغية الاستيطان القانوني في سوريا،” على حدّ قوله.15 كما ادّعى رجل الأعمال، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن سفير طهران في دمشق “يتمتع بتسهيل كامل من كبار مسؤولي المخابرات في نظام الأسد، ويستخدم سماسرة يعملون على تقديم العروض لعدد من رجال الأعمال للاستحواذ على ممتلكاتهم بعد دفع مبالغ مضاعفة لهم،” مضيفاً أن بعض هؤلاء السماسرة “يقومون بتهديد أصحاب العقارات والفنادق لإرغامهم على البيع.”

وقد أكّد عدد من المكاتب العقارية في دمشق لمراسلي (نامه شام) أن هناك بالفعل “حركة قوية نسبياً” في سوق العقارات في مناطق معينة من العاصمة، تتطابق تقريباً من المناطق المذكورة في تقرير “ناو” أعلاه. ونظراً للوضع الأمني في المدينة، يمكن الافتراض أن الشرح المنطقي الوحيد لهذه الحركة هو قيام مستثمرين كبار، سوريين أو أجانب، بشراء وبيع العقارات.

كما قالت مصادر سورية معارضة لـ (نامه شام) إن العديد من المنازل في العاصمة “تتم سرقتها قانونياً،” خاصة في مناطق دمشق القديمة، باب مصلى، شارع الحمرا والسيدة زينب. وأضافت المصادر أن السُنّة “أصبحوا أقلية في هذه المناطق،” ويمكنهم أن يتابعوا العيش فيها فقط بعد الحصول على موافقة أمنية من الميليشيات المحلية. وتفيد التقارير أن الحواجز المنتشرة على مداخل هذه المناطق يحرسها عناصر من حزب الله والحرس الثوري الإيراني.

في المرات القليلة التي أتت فيها وسائل الإعلام الإيرانية على ذكر إيرانيين يشترون عقارات في سوريا، ركزّت التقارير على الجهود الإيرانية لـ “إعادة بناء” المزارات الشيعية في دمشق. لكن جهود “إعادة البناء” هذه تشمل محاولات الحكومة الإيرانية شراء مساحات واسعة من الأراضي المحيطة بهذه المزارات من أجل “توسيعها”، بحسب التقارير.16 ومن المعروف أن جهوداً إيرانية مماثلة بُذلت في العراق، ولا سيما في سامراء وكربلاء، بعد الغزو الأميركي عام 2003.

على سبيل المثال، نقلت وسائل الإعلام الإيرانية في آب/أغسطس 2014 عن رئيس مديرية إعادة إعمار المزارات المقدسة، حسين بالاراك، قوله إن مصلى جديداً يحمل اسم الإمام الخميني سيُبنى إلى جانب مرقد السيدة زينب في دمشق.17 ومن المتوقع أن يكون البناء الجديد ذو الطوابق الثلاثة جاهزاً بعد سنتين. ومن المتوقع أن يكلّف المشروع، بحسب تقارير إعلامية، 300 مليار ريال إيراني (ما يعادل 10.8 مليون دولار أميركي).

لكن اللافت في ما نُقل عن بالاراك هو قوله: “سوف تتم إعادة النظر في المخطط العمراني للمنطقة المحيطة بالسيدة زينب. نعمل حالياً على نموذج جديد ونعمل على شراء العقارات المحيطة بالمزار.” وأضاف: “الآن وقد انتهت الانتخابات السورية [في حزيران2014]، سنتابع أعمال إعادة الإعمار على نحو أكثر فاعلية.”18

في مناسبة أخرى، نقلت وسائل الإعلام الإيرانية عن بالاراك قوله: “إن توسيع مزار السيدة زينب على رأس أولويات مديريتنا. نأمل أن ننتهي من تحضير الخرائط وشراء العقارات مع نهاية هذا العام [2014] حتى نؤمّن لحجّاج السيدة زينب أمناً أفضل.”19

تُردَّد قصص مشابهة عن حمص، حلب والمنطقة الساحلية، لكن بتفاصيل أقلّ حتى.20 المسألة الأهمّ في هذا الصدد هي ما إذا كانت هناك أدلة كافية لإثبات استخدام النظام الإيراني أو عملائه أساليب احتيال أو قسر تتصل بالنزاع المسلح لاستملاك العقارات في هذه المناطق، كما تزعم التقارير المشار إليها أعلاه، وما إذا كانت هناك أدلة كافية لإثبات أن هذه الممارسات واسعة الانتشار أو منهجية بما يكفي لاعتبارها سياسة دولة (أو سياسة سلطة أمر واقع). فقط عندها يمكن الحديث عن اعتبار عمليات الشراء هذه استملاكاً غير مشروع لممتلكات المدنيين أو ممتلكات العدو يرقى لجريمة حرب.

ملاحظات ومراجع:

1 انظر مثلاً: إريكا سولومون، “الجيش السوري الذي أنهكته الحرب يخلق بديلاً  لنفسه” (بالإنكليزية)، رويترز، 21 نيسان/أبريل 2013.

2 كمثال على وجهة النظر هذه، انظر هذا المقال.

3 انظر هنا. انظر أيضاً هذا المثال عن الشبيحة في حمص.

4 للمزيد عن كيفية إنشاء قوات الدفاع الوطني، انظر هنا.

5 للمزيد عن الدور الإيراني في إنشاء قوات الدفاع الوطني، انظر هنا.

6 “فتح المنازل الآمنة والمغلقة وتأجيرها بقيم تُحفظ لأصحابها“، البعث، 22 أيار/مايو 2014.

7 انظر مثلاً هذا التقرير و هذا التقرير.

8 انظر هذا المثال النموذجي.

9 انظر مثلاً هنا.

10 انظر هنا.

11 انظر هنا.

12 انظر هذا المثال النموذجي.

13 “مصدر خاص لأخبار الآن: تشييع ممنهج لدمشق عبر شراء العقارات!“، الآن، 28 حزيران/يونيو 2014.

14 السابق.

15 “إيران تتملك أراضي في مدن سورية لتغيير ديمغرافيتها“، العربية، 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2014.

16 انظر مثلاً هذا التقرير بالإنكليزية.

17 انظر هذا التقرير بالفارسية.

18 السابق.

19 انظر هذا التقرير بالفارسية.

20 انظر مثلاً هذا المقال.